فصل: جرجان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 بلخ مدينة عظيمة من أمهات بلاد خراسان‏.‏

بناها منوجهر بن ايرج بن افريدون‏.‏

أهلها مخصوصون بالطرمذة من بين سائر بلاد خراسان‏.‏

كان بها النوبهار وهو أعظم بيت من بيوت الأصنام‏.‏

لما سمع ملوك ذلك الزمان بشرف الكعبة واحترام العرب إياها بنوا هذا البيت مضاهاة للكعبة وزينوه بالديباج والحرير والجواهر النفية ونصبوا الأصنام حوله‏.‏

والفرس والترك تعظمه وتحج إليه وتهدي إليه الهدايا‏.‏

وكان طول البيت مائة ذراع في عرض مائة وأكثر من مائة ارتفاعاً وسدانته للبرامكة وملوك الهند والصين يأتون إليه فإذا وافوا سجدوا للصنم وقبلوا يد برمك‏.‏

وكان برمك يحكم في تلك البلاد كلها ولم يزل برمك بعد برمك إلى أن فتحت خراسان في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه وانتهت السدانة إلى برمك أبي خالد فرغب في الإسلام وسار إلى عثمان وضمن المدينة بمال وفتح عبد الله بن عامر بن كريز خراسان وبعث إلى النوبهار الأحنف بن قيس بن الهيثم فخربها‏.‏

ينسب إليها من المشاهير إبراهيم بن أدهم العجلي رحمه الله كان من ملوك بلخ وكان سبب تركه الدنيا انه كان في بعض متصيداته يركض خلف صيد ليرميه فالتفت الصيد إليه وقال‏:‏ لغير هذا خلقت يا إبراهيم‏!‏ فرجع ومر على بعض رعاته ونزل عن دابته وخلع ثيابه وأعطاها للراعي ولبس ثياب الراعي واختار الزهد‏.‏

وحكي أنه ركب سفينة في بعض أسفاره فلما توغل في البحر طالبه الملاح بالأجرة وألح عليه فقال له إبراهيم‏:‏ اخرجني إلى هذه الجزيرة حتى أؤدي أجرتك‏!‏ فأخرجه إليها وذهب معه فصلى إبراهيم ركعتين وقال‏:‏ إلهي يطلب أجرة السفينة‏!‏ فسمع قائلاً يقول‏:‏ خذ يا إبراهيم‏.‏

فمد يده نحو السماء وأخذ دينارين دفعهما إلى الملاح وقال‏:‏ لا تذكر هذا لأحد‏!‏ ورجعا إلى السفينة فهبت ريح عاصف واضطربت السفينة فأشرفت على الهلاك فقال الملاح‏:‏ اذهبوا إلى هذا الشيخ ليدعو الله‏.‏

فذهب القوم إليه وهو مشغول بنفسه في زاوية قالوا‏:‏ إن السفينة أشرفت على الهلاك ادع الله تعالى لعله يرحمنا‏!‏ فنظر إبراهيم بموق عينه نحو السماء وقال‏:‏ يا مرسل الرياح من علينا بالعاطفة والنجاح‏!‏ فسكنت الريح في الحال‏.‏

وحكي أنه مر به بعض رعاته من بلخ فرآه جالساً على طرف ماء يرقع دلقاً فجلس إليه يعيره بترك الملك واختيار الفقر فرمى إبراهيم إبرته في الماء وقال‏:‏ ردوا إلي إبرتي‏!‏ فأخرج سمك كثير من الماء رؤوسها وفي فم كل واحدة إبرة من الذهب‏.‏

فقال‏:‏ لست أريد غير إبرتي‏!‏ وحكي أنه اجتاز به جندي سأل منه الطريق فأشار إلى المقبرة فتأذى الرجل الجندي وضربه فشج رأسه‏.‏

فلما عرف انه إبراهيم جاء إليه معتذراً فقال له‏:‏ إنك وقت ضربتني دعوت لك لأنك حصلت لي ثواباً فقابلت ذلك بالدعاء‏.‏

وحكي أن إبراهيم كان ناطوراً في بستان بأجرة فإذا هو نائم وحية تروحه بطاقة نرجس‏.‏

وجاءه رجل جندي يطلب منه شيئاً من الثمرة وهو يقول‏:‏ أنا ناطور ما أمرني صاحب البستان ببذل شيء منها‏!‏ فجعل الجندي يضربه وهو يقول‏:‏ اضرب على رأس طالما عصى الله تعالى‏!‏ توفي سنة إحدى وستين ومائة‏.‏

وينسب إليها أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي من كبار مشايخ خراسان أستاذ حاتم الأصم‏.‏

وكان أول أمره رجلاً تاجراً سافر إلى بلاد الهند‏.‏

دخل بيتاً من بيوت الأصنام فرأى رجلاً حلق رأسه ولحيته يعبد الصنم فقال له‏:‏ ان لك إلهاً خالقاً رازقاً فاعبده ولا تعبد الصنم فإنه لا يضر ولا ينفع‏!‏ فقال عابد الصنم‏:‏ إن كان كما تقول فلم لا تقعد في بيتك وتتعب للتجارة فإنه يرزقك في بيتك فتنبه شقيق لقوله وأخذ في طريق الزهد‏.‏

وحكي أن أهله شكت إليه من الفاقة فقام يظهر أنه يمشي إلى شغل الطين ودخل بعض المساجد وصلى إلى آخر النهار وعاد إلى أهله وقال‏:‏ عملت مع الملك فقال اعمل أسبوعاً حتى أوفيك أجرتك دفعة واحدة‏.‏

وكان كل يوم يمشي إلى المسجد ويصلي فلما كان اليوم السابع قال في نفسه‏:‏ لو لم يكن اليوم معي شيء تخاصمني أهلي‏!‏ فأجر نفسه من شخص ليعمل له يومه وأهله تنتظر مجيئه آخر النهار بأجرة الأيام إذ دق الباب أحد وقال‏:‏ بعثني الملك بأجرة الأيام التي عمل له فيها شقيق ويقول لشقيق‏:‏ ما الذي صدك عنا حتى اشتغلت اليوم بشغل غيرنا فذهبت المرأة إليه فسلم إليها صرة فيها سبعون ديناراً‏.‏

وحكى حاتم الأصم أن علي بن عيسى بن ماهان كان أمير بلخ وكان يحب كلاب الصيد ففقد كلب من كلابه يوماً فاتهم به جار شقيق فاستجار به فدخل شقيق على الأمير وقال‏:‏ خلوا سبيله فإني أرد لكم كلبكم إلى ثلاثة أيام فخلوا سبيله فانصرف شقيق مهتماً لما صنع فلما كان اليوم الثالث كان رجل من أهل بلخ غائباً وكان من رفقاء شيق وكان لشقيق فتىً وهو رفيقه رأى في الصحراء كلباً في رقبته قلادة فقال‏:‏ أهديه إلى شقيق‏.‏

فحلمه إليه فإذا هو كلب الأمير سلمه إليه‏.‏

استشهد شقيق في غزوة كولان سنة أربع وتسعين ومائة‏.‏

وينسب إليها أبو حامد أحمد بن حضرويه من كبار مشايخ خراسان‏.‏

صحب أبا تراب النخشبي وكان زين العارفين أبو يزيد يقول‏:‏ أستاذنا أحمد ذكر أنه اجتمع عليه سبعمائة دينار ديناً فمرض وغرماؤه حضروا عنده فقال‏:‏ اللهم إنك جعلت الرهون وثيقةً لأرباب الأموال وأنت وثيقتي فادعني فدق بابه أحد وقال‏:‏ اين غرماء أحمد وقضى عنه جميع ديونه ثم فارق الدنيا وذلك في سنة أربع ومائتين عن خمس وتسعين سنة‏.‏

وينسب إليها عبد الجليل بن محمد الملقب بالرشيد ويعرف بوطواط‏.‏

كان كاتباً للسلطان خوارزمشاه إتسز‏.‏

وكان أديباً فاضلاً بارعاً ذا نظم ونثر بالعربية والعجمية والسلطان يحبه لا يفارقه ساعة لظرافته وحسن مجالسته فأمر أن يبنى له قصر بحذاء قصر السلطان حتى يحادثه من الروشن فأخرج الرشيد رأسه مرة من الروشن فقال السلطان‏:‏ يا رشيد أرى رأس ذئب خارجاً من روشنك‏!‏ فقال‏:‏ أيها الملك ما هو رأس الذئب ذاك سجنجل أنا أخرجته‏!‏ فضحك السلطان من عجيب جوابه‏!‏ وحكي أن أحداً من أصحاب الديوان يستعير دوابه كثيراً فكتب إليه‏:‏ بلغني من النوادر المطربة والحكايات المضحكة أن تاجراً استأجر حماراً من نيسابور إلى بغداد وكان حماراً ضعيفاً لا يمكنه السير ولا يرجى منه الخير إذا حرك سقط وإذا ضرب ضرط من مكاري قليل السكون كثير الجنون طول الطريق يبكي دماً ويتنفس الصعداء ندماً فبعد اللتيا والتي وصل إلى بغداد والحمار ضئيل ولم يبق من المكاري إلا القليل إذ سمع صيحةً هائلة تصرع القلوب وتشق الجيوب فالتفت المكاري فإذا المحتسب بدرته وصاحب الشرطة لابس ثوب شرته فقال المكاري‏:‏ ماذا حدث قالوا‏:‏ ههنا تاجر فاجر أخذ مع غلام الخطيب كالغصن الرطيب تواتر عليه الصفعات المغمية والضربات المدمية طلبوا حماراً وكان حمار المكاري حاضراً فتعادوا إليه وأركبوا التاجر عليه فالمكاري ذهب عنه القرار وينادي بالويل ويعدو خلف الحمار إلى أن طيف بجيمع المحال والبلد بغداد فلما كان المساء ردوا الحمار إلى المكاري جائعاً سلم الطوى إلى التوى والصدى إلى الردى‏!‏ فأخذه المكاري مترحماً مد أذنيه وتفل ما بين عينيه وزاد في علفه خوفاً من تلفه‏.‏

فلما دنا الصباح وظهر أثر النهار ولاح قرع سمعه صوت أهول من الصيحة الأمسية فالتفت المكاري فإذا المحتسب على الباب وصاحب الشرطة كاشر الناب فقال المكاري‏:‏ ماذا حدث قالوا‏:‏ ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام القاضي كالسيف الماضي فأراد المكاري أن يواري الحمار فسبقت العامة إليه وأركبوا التاجر عليه والمكاري يعدو خلفه ويصيح بعين باكية وقلب جريح إلى أن طيف به في جميع المحال ثم ردوه إلى المكاري وقد أشرف على الهلاك ولا يقدر على الحراك فبات المكاري مسلوب القرار في مداواة الحمار فلما انتشرت أعلام الضوء في أقطار الجو صكت أذنه من الصيحتين الأوليين فالتفت فإذا المحتسب في الدرب وصاحب الشرطة منشمر للضرب فقال المكاري‏:‏ ماذا حدث قالوا‏:‏ ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام الرئيس كالدر النفيس والعامة رأت حمار المكاري فعدت إليه فعدا المكاري إلى التاجر وقال‏:‏ يا خبيث‏!‏ ان لم تترك صنعتك الشنيعة ولم ترجع عن فعلتك القبيحة فاشتر حماراً يركبونك عليه كل يوم فقد أهلكت حماري وأزلت قراري‏!‏ وها أنا أقول ما قال المكاري للتاجر إن أردت أن تكون كاتباً للأمير فهييء النقس والطرس وإلا فالزم البيت والعرس‏.‏

بلد قرية من أعمال الموصل يقال لها بلد باشاي‏.‏

حكى الشيخ عمر التسليمي وكان من أهل التصوف قال‏:‏ وصلت إلى هذه القرية فلما كان وقت خروج نور الغبيراء اهتاج بنسائها شهوة الوقاع يستحيين من ذلك لغلبة الشهوة ولا قدرة للرجال على قضاء أوطرهن‏.‏

فعند ذلك أخرجن إلى واد بقرب الضيعة وهن بها كالسنانير عند هيجانها إلى أن انقضت مدتهن ثم تراجعن إلى بيوتهن وقد عاد إليهن التمييز‏!‏ قال‏:‏ وسمعت أن كل سنة في هذا الوقت تحدث بهن هذه الحالة‏.‏

 بلور

ناحية بقرب قشمير قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بها موضع في كل سنة ثلاثة أشهر يدوم فيه الثلج والمطر بحيث لا يرى فيها قرص الشمس‏.‏

وحكي ان بهذه الأرض بيتاً فيه صنم على صورة امرأة لها ثديان وكل من طال مرضه وضجر منه يدخل على هذا الصنم ويمسح يده على ثديها فيتقاطر من ثديها ثلاث قطرات فيمزج تلك القطرات بالماء ويشرب فإما يزول مرضه أو يموت سريعاً ويستريح من تعب المرض‏.‏

بنان موضع لست أعرف أرضه‏.‏

ينسب إليه أبو الخير البناني صاحب العجائب رحمه الله‏.‏

سمع بفضله إبراهيم بن المولد فذهب إليه فقام أبو الخير يصلي بالقوم فما أعجب إبراهيم قراءته الفاتحة فأنكر عليه في باطنه فعرف أبو الخير ذلك بنور الباطن‏.‏

فلما فارقه إبراهيم وخرج من عنده اعترضه سبع وكانت صومعة أبي الخير في غيضة كان فيها سباع فعاد إلى الشيخ وقال‏:‏ ان سبعاً صال علي‏!‏ فخرج الشيخ وقال للسبع‏:‏ ما قلت لكم لا تتعرضوا لأضيافي فولى الأسد وذهب فقال الشيخ‏:‏ يا إبراهيم اشتغلتم بتقويم الظاهر ونحن اشتغلنا بتقويم الباطن فخفتم أنتم من السبع وخاف السبع منا‏!‏ مدينة كبيرة من مدن خراسان ذات مياه وبساتين وأشجار كثيرة‏.‏

ينسب إليها منصور بن عمار‏.‏

كان واعظاً عظيماً عجيب الكلام طيب الوعظ مشهوراً حكى سليم بن منصور قال‏:‏ رأيته في المنام فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي وأدناني وقربني وقال‏:‏ يا شيخ السوء أتدري لم غفرت لك قلت‏:‏ لا يا رب‏!‏ قال‏:‏ انك جلست للناس يوماً فبكيتهم فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط فغفرت له ووهبت أهل المجلس له ووهبتك فيمن وهبت له‏.‏

وحكي أن منصور بن عمار وجد رقعة عليها بسم الله الرحمن الرحيم فأخذها فلم يجد لها موضعاً فأكلها‏.‏

فرأى في نومه قائلاً يقول‏:‏ فتح الله عليك باب الحكمة باحترامك اسم الله تعالى‏.‏

وحكى أبو الحسن السعدي قال‏:‏ رأيت منصور بن عمار في النوم بعد موته فقلت‏:‏ ما فعل الله بك فقال لي‏:‏ قال أنت منصور بن عمار قلت‏:‏ نعم يا رب‏!‏ قال‏:‏ أنت الذي تزهد في الدنيا وترغب فيها‏.‏

قلت‏:‏ قد كان ذلك ولكن ما اتخذت مجلساً إلا بدأت بالثناء عليك وثنيت بالصلاة على نبيك وثلثت بالنصيحة لعبادك‏.‏

فقال‏:‏ صدق‏!‏ ضعوا له كرسياً يمجدني في سمائي بين ملائكتي كما مجدني في الأرض بين عبادي‏.‏

والله الموفق‏.‏

وحكي أن رجلاً شريفاً جمع يوماً ندماءه للشرب وسلم إلى غلامه أربعة دراهم ليشتري لهم بها فواكه فاجتاز الغلام بمجلس منصور بن عمار وكان يطلب لفقير أربعة دراهم فقال‏:‏ من يعطي له أربعة دراهم ادعو له أربع دعوات‏.‏

فدفع إليه الغلام الدراهم فقال منصور‏:‏ ما الذي تريد من الدعوات فقال‏:‏ أريد العتق‏!‏ فقال‏:‏ اللهم ارزقه العتق‏!‏ قال‏:‏ وما الآخر قال‏:‏ أن يخلف الله علي دراهمي‏.‏

فدعا له به‏.‏

قال‏:‏ وما الآخر قال‏:‏ ان يتوب الله على سيدي‏.‏

فدعا له به‏.‏

قال‏:‏ وما الآخر قال‏:‏ أن يغفر الله لي ولك ولسيدي وللحاضرين‏.‏

فدعا به‏.‏

فلما رجع إلى سيده قال‏:‏ ما الذي أبطأ بك فقص عليه القصة فقال‏:‏ سألت لنفسي العتق‏.‏

فقال‏:‏ أنت حر لوجه الله تعالى‏!‏ قال‏:‏ وان يخلف علي الدراهم‏.‏

قال‏:‏ لك أربعة آلاف درهم‏.‏

قال‏:‏ وما الثالث قال‏:‏ أن يتوب الله عليك‏.‏

قال‏:‏ تبت إلى الله عز وجل‏.‏

قال‏:‏ وما الرابع قال‏:‏ أن يغفر الله لي ولك وله وللحاضرين‏.‏

فقال‏:‏ هذا ليس إلي‏!‏ فلما نام رأى في نومه قائلاً يقول له‏:‏ أنت فعلت ما كان إليك أترى اني لم أفعل ما إلي قد غفرت لك وللغلام وللحاضرين ولمنصور‏.‏

 باخرز بلدة من بلاد خراسان‏.‏

ينسب إليها أبو الحسن الباخرزي‏.‏

كان أديباً فاضلاً بارعاً لطيفاً أشعاره في غاية الحسن ومعانيه في غاية اللطف‏.‏

وله ديوان كبير أكثره في مدح نظام الملك وبعض الأدباء‏.‏

التقط من ديوانه الأبيات العجيبة قدر ألف بيت سماه الأحسن‏.‏

وكان بينه وبين أبي نصر الكندري مخاشنة في دولة بني سبكتكين فلما ظهرت الدولة السلجوقية ما كان أحد من العمال يجسر على الاختلاط بهم فأول من دخل معهم أبو نصر الكندري‏.‏

استوزره السلطان طغرلبك فصار مالك البلاد‏.‏

أحضر أبا الحسن الباخرزي وأحسن إليه وقال‏:‏ إني تفاءلت بهجوك لي‏.‏

إذا كان أوله أقبل فإن أبا الحسن هجاه بأبيات أولها‏:‏ اقبل من كندرٍ مسخرةٌ للشّؤم في وجهه علامات واقطعوا باخرز لأمير زوج امرأة من نساء بني سلجوق فرأت أبا الحسن وقالت‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام على هذه الصورة‏.‏

فصار محظوظاً عندهم وآخر الأمر قتل بسبب هذه المرأة وصار حسن صورته وبالاً عليه كريش الطاووس وشعر الثعلب‏.‏

 بيهق

بليدة بخراسان‏.‏ينسب إليها الإمام أبو بكر أحمد البيهقي‏.‏

كان أوحد زمانه في الحديث والفقه والأصول وله السنن الكبير وتصانيف كثيرة‏.‏

كان على سيرة علماء السلف قانعاً من الدنيا بالقليل الذي لا بد منه‏.‏

قال إمام الحرمين‏:‏ ما من أحد من أصحاب الشافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي فإن له على الشافعي منة لأن تصانيفه كلها في نصرة مذهب الشافعي‏.‏

حكى الفقيه أبو بكر بن عبد العزيز المروزي‏:‏ رأيت في المنام تابوتاً يعلو فوقه نور نحو السماء فقلت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ فيه تصانيف أبي بكر البيهقي‏.‏

وحكى بعض الفقهاء قال‏:‏ رأيت الشافعي قاعداً على سرير وهو يقول‏:‏ استفدت من كتاب أحمد البيهقي حديث كذا وحديث كذا‏.‏

تبريز مدينة حصينة ذات أسوار محكمة‏.‏

وهي الآن قصبة بلاد آذربيجان‏.‏

بها عدة أنهر والبساتين محيطة بها‏.‏

زعم المنجمون أنها لا تصيبها من الترك آفة لأن طالعها عقرب والمريخ صاحبها فكان الأمر إلى الآن كما قالوا ما سلم من بلاد آذربيجان مدينة من الترك غير تبريز‏.‏

وهي مدينة آهل كثيرة الخيرات والأموال والصناعات وبقربها حمامات كثيرة عجيبة النفع يقصدها المرضى والزمنى ينتفعون بها‏.‏

وتحمل منها الثياب العتابي والسقلاطون والأطلس والنسج إلى الآفاق‏.‏

ونقودها ونقود أكثر بلاد آذربيجان الصفر المضروب فلوساً‏.‏

وقطاع الطنجير والهاون والمنارة إذا أرادوا المعاملة عليها اشتروا بها المتاع فما فضل أخذوا به قطعة صغيرة‏.‏

ينسب إليها أبو زكرياء التبريزي‏.‏

كان أديباً فاضلاً كثير التصانيف‏.‏

فلما بنى نظام الملك المدرسة النظامية ببغداد جعلوا أبا زكرياء خازن خزانة الكتب‏.‏

فلما وصل نظام الملك إلى بغداد دخل المدرسة ليتفرج عليها وفي خدمته أعيان جميع البلاد ووجوهها فقعد في المدرسة في محفل عظيم والشعراء يقومون ينشدون مدائحه والدعاة يدعون له‏.‏

فقام رجل ودعا لنظام الملك وقال‏:‏ هذا خير عظيم قد تم على يدك‏!‏ ما سبقك بها أحد وكل ما فيها حسن إلا شيئاً واحداً وهو أن أبا زكرياء التبريزي خازن خزانة الكتب وانه رجل به أبنة يدعو الصبيان إلى نفسه‏!‏ فانكسر أبو زكرياء انكساراً شديداً في ذلك المحفل العظيم‏.‏

فلما قام نظام الملك قال لناظر المدرسة‏:‏ كم معيشة أبي زكرياء قال‏:‏ عشرة دنانير‏!‏ قال‏:‏ اجعلها خمسة عشر ان كان كما يقول لا تكفيه عشرة دنانير‏!‏ فانكسر أبو زكرياء من فضيحة ذلك المتعدي وكفاه ذلك كفارة لجميع ذنوبه ومن ذلك اليوم ما حضر شيئاً من المحافل والمجامع حياء وخجالة‏.‏

تهران قرية كبيرة من قرى الري كثيرة البساتين كثيرة الأشجار مؤنقة الثمار‏.‏

ولهم تحت الأرض بيوت كنافقاء اليربوع إذا جاءهم قاصد عدو اختبأوا فيها فالعدو يحاصرهم يوماً أو أياماً ويمشي‏.‏

فإذا خرجوا من تحت الأرض أكثروا الفساد من القتل والنهب وقطع الطريق‏.‏

وفي أكثر الأوقات أهلها عصاة على السلاطين ولا حيلة إلى ضبطهم إلا بالمداراة‏.‏

وفيها اثنتا عشرة محلة كل محلة تحارب الأخرى وإذا دخلوا في طاعة السلطان يجتمع عاملها بمشايخ القرية يطالبهم بالخراج وتوافقوا على اداء الخراج المعهود للسلطان‏.‏

يأتي أحدهم بديك ويقول‏:‏ هذا بدينار‏!‏ والآخ يأتي باجانة ويقول‏:‏ هذا بدينار‏!‏ ويؤدون الخراج على هذا الوجه وإلا فلا فائدة منهم أصلاً‏.‏

وهم موترصدون للخلاف ويرضى الوالي منهم بأن يقال‏:‏ انهم في الطاعة وأدوا الخراج‏.‏

وانهم لا يزرعون على البقر خوفاً من أنهم إذا خالفوا يؤخذ عواملهم وإنما يزرعون بالمساحي ولا يقتنون الدواب والمواشي لما ذكرنا أن أعداءهم كثيرون فيأخذون مواشيهم‏.‏

وفواكههم كثيرة وحسنة جداً سيما رمانهم فإن مثلها غير موجود في شيء من البلاد‏.‏

جاجرم مدينة بأرض خراسان مشهورة بقرب اسفرايين‏.‏

بها عين تنبع قناة بين جاجرم واسفرايين حدثني بعض فقهاء خراسان‏:‏ من غاص في ماء هذه العين يزول جربه‏.‏

الجبال ناحية مشهورة يقال لها قهستان‏.‏

شرقها مفازة خراسان وفارس وغربها آذربيجان وشمالها بحر الخزر وجنوبها العراق وخوزستان‏.‏

وهي أطيب النواحي هواء وماء وتربة‏.‏

وأهلها أصح الناس مزاجاً وأحسنهم صورة قالوا‏:‏ إنها تربة ديلمية لا تقبل العدل والانصاف ومن وليها عصى ‏!‏ وكتب الإسكندر إلى أرسطاطاليس‏:‏ أرى بأرض الجبال ملوكاً حساناً لا أختار قتلهم وان تركتهم لا آمن عصيانهم فماذا ترى فكتب إليه أرسطاطاليس‏:‏ أن سلم كل بقعة إلى أحد‏.‏

ففعل ذلك وظهرت ملوك الطوائف فلما مات الإسكندر اختلفوا فغلبهم أردشير بن بابك جد ملوك ساسان‏.‏

فاتخذها الأكاسرة مصيفاً لطيب هوائها وسلامتها من سموم العراق وسخونة مائه وكثرة ذبابه وهوامه وحشراته ولذلك قال أبو دلف العجلي‏:‏ وإني امرؤٌ كسرويّ الفعال أصيف الجبال وأشتو العراقا لا ينبت بها النخل والنارنج والليمون والأترج ولا يعيش بها الفيل والجاموس ولو حملا إليها ماتا بها جبل أروند وهو جبل نزه خضر نضر مطل على همذان حكى بعض أهل همذان قال‏:‏ دخلت على جعفر بن محمد الصادق فقال‏:‏ من أين أنت قلت‏:‏ من همذان‏.‏

قال‏:‏ أتعرف جبلها راوند قلت‏:‏ جعلني الله فداك‏!‏ جبلها أروند قال‏:‏ نعم إن فيها عيناً من عيون الجنة‏!‏ وأهل همذان يرون الماء الذي على قلة الجبل فإنها يخرج منها الماء في وقت من أوقات السنة معلوم ومنبعه من شق في صخر وهو ماء عذب شديد البرد فإذا جاوزت أيامه المعدودة ذهب إلى وقته من العام المقبل لا يزيد ولا ينقص وهو شفاء للمرضى يأتونه من كل جهة وذكروا أنه يكثر إذا كثر الناس عليه ويقل إذا قلوا‏.‏

وبها جبل بيستون بين همذان وحلوان وهو عال ممتنع لا ترتقى ذروته ومن أعلاه إلى أسفله أملس كأنه منحوت وعرضه ثلاثة أيام وأكثر‏.‏

ذكر في تواريخ العجم أن حظية كسرى ابرويز شيرين المشهورة بالحسن والجمال عشقها رجل حجار اسمه فرهاذ وتاه في حبها واشتهر ذلك بين الناس فذكر أمره لأبرويز فقال لأصحابه‏:‏ ماذا ترون في أمر هذا الرجل ان تركته وما هو عليه فهتك وقبح وإن قتلته أو حبسته فعاقبت غير مجرم فقال بعض الحاضرين‏:‏ اشغله بحجر حتى يصرف عمره فيه‏!‏ فاستصوب كسرى رأيه وأمر بإحضاره فدخل وهو رجل ضخم البدن طويل القامة مثل الجمل الهائج فأمر كسرى بإكرامه وقال‏:‏ ان على طريقنا حجراً يمنعنا من المرور نريد أن تفتح فيه طريقاً يصلح لسلوكنا فيه وقد عرفنا دربتك وذكاءك‏!‏ وأشار إلى بيستون لفرط شموخه وصلابة حجره‏.‏

فقال الصانع‏:‏ ارفع هذا الحجر من طريق الملك ان وعدني بشيرين‏!‏ فتأذى كسرى من هذا لأنها كانت حظيته لكن قال في نفسه‏:‏ من يقدر على قطع بيستون فقال في جوابه‏:‏ نفعل ذلك إذا فرغت‏!‏ فخرج فرهاذ من عند كسرى وشرع في قطع الجبل ورسم فيه درباً يتسع لعشرين فارساً عرضاً وسمكه أعلى من الرايات والأعلام فكان يقطع طول نهاره وينقل طول ليله ويرصف القطاع الكبار شبه الأعدال في سفح الجبل ترصيفاً حسناً يحشو خللها بالنحاتة ويسويها مع الطريق‏.‏

وكان ينحت من الجبل شبه منارة عظيمة ثم يقطعها قطعاً كل قطعة كعدل ويرميها ولقد رأيت عند اجتيازي به شبه منارة فتح جوانبها وما قطعها بعد ورأيت قطعاً من الحجر كالأعدال عليها آثار ضرب الفاس وفي كل قطعة حفرتان في جانبيها ليجعل اليد فيها عند رفعها‏.‏

فذكر يوماً عند كسرى شدة اهتمامه بقطع الجبل فقال بعض الحاضرين‏:‏ رأيته يرمي بكل ضربة شبه جبل ولو بقي على ما هو عليه لا يبعد أن يفتح الطريق‏.‏

فانفرق كسرى فقال بعضهم‏:‏ أنا أكفيك أمره‏!‏ فبعث إليه من أخبره بموت شيرين‏.‏

فلما سمع ذلك ضرب فأسه على الحجر وأثبته فيه ثم جعل يضرب رأسه على الفأس إلى أن مات‏.‏

ومقدار فتحه من الجبل غلوة سهم وتلك الآثار باقية إلى الآن لا ريب وقال أحمد بن محمد الهمذاني‏:‏ في سفح جبل بيستون ايوان منحوت من الحجر وفي وسط الايوان صورة فرس كسرى شبديز وابرويز راكب عليه وعلى حيطان الايوان صورة شيرين ومواليها قيل‏:‏ صورها فطرس بن سنمار وسنمار هو الذي بنى الخورنق بظاهر الحيرة وسببه أن شبديز كان أذكى الدواب وأعظمها خلقاً وأظهرها خلقاً وأصبرها على طول الركض كان لا يبول ولا يروث ما دام عليه سجره ولا يخر ولا يزبد ما دام عليه لجامه‏.‏

كان ملك الهند أهداه إلى ابرويز فاتفق انه اشتكى وزاد شكواه فقال كسرى‏:‏ من أخبرني بموته قتلته‏!‏ فلما مات خاف صاحب خيله أن يسأل عنه فيجب عليه الخبر بموته فجاء إلى البلهبد مغنيه وسأله أن يخبر كسرى ذلك في شيء من الغناء وكان البلهبد أحذق الناس بالغناء ففعل ذلك‏.‏

فلما سمع كسرى به فطن بمعناه وقال‏:‏ ويحك‏!‏ مات شبديز فقال‏:‏ الملك يقوله‏!‏ فقال كسرى‏:‏ زه‏!‏ ما أحسن ما تخلصت وخلصت غيرك‏!‏ وجزع عليه فطرس بن سنمار فصوره على أحسن مثال بحيث لا يكاد يفرق بينهما إلا بإدارات الروح وجاء كسرى فتأمله باكياً وقال‏:‏ يشد ما بقي هذا التمثال إلينا وذكرنا ما يصير حالنا إليه بموت جسدنا وطموس صورتنا ودروس أثرنا الذي لا بد منه وسيبقى هذا التمثال أثراً من جمال صورتنا للواقفين عليه حتى كأننا بعضهم ونشاهدهم‏.‏وحكي من عجائب هذا التمثال انه لم ير مثله ولم يقف أحد منذ صور من أهل الفكر اللطيف والنظر الدقيق عليه إلا تعجب منه حتى قال بعض الناس‏:‏ انها ليست من صنعة البشر ‏!‏ ولقد أعطي ذاك المصور ما لم يعط غيره فأي شيء أعجب من أن سخرت له الحجار كما أراد حتى في الموضع الذي أراد أحمر جاء أحمر وفي الموضع الذي أراد أبيض جاء أبيض وكذلك سائر الألوان والظاهر أن الأصباغ التي فيه عالجها بصنف من المعالجات العجيبة لم يغيرها طول الليالي وصور الفرس واقفاً في وسط الإيوان وكسرى راكب عليه لابس درعاً كأنه زرد به من حديد يتبين مسامير الزرد في حلقها وصور شيرين بحيث يظهر الحسن والملاحة في وجهها كأنها تسلب القلوب بغنجها‏.‏

وسمعت أن بعض الناس عشق على صورة شيرين وصار من عشقها متيماً فكسروا أنفها لئلا يعشق عليها غيره‏.‏

وذكر قصة شبديز خالد الفياض فقال‏:‏ والملك كسرى شهنشاه يقبضه سهمٌ بريش جناح الموت مقطوب إذ كان لذّته شبديز يركبه وغنج شيرين والدّيباج والطّيب بالنّار آلى يميناً شدّ ما غلظت ان من يد أفعى الشبديز مصلوب حتى إذا أصبح الشّبديز منجدلاً وكان ما مثله في الناس مركوب ورنّم الهربد الأوتار فالتهبت من سحر راحته اليسرى شآبيب فقال‏:‏ مات فقالوا‏:‏ أنت فهت به فأصبح الحنث عنه وهو مجذوب‏!‏ لولا البلهبد والأوتار تندبه لم يستطع نعي شبديز المزاريب أخنى الزّمان عليهم فاجر هدبهم فما ترى منهم إلاّ الملاعيب وبها جبل دماوند وهو بقرب الري يناطح النجوم ارتفاعاً ويحكيها امتناعاً لا يعلوه الغيم في ارتفاعه ولا الطير في تحليقه قال مسعر بن مهلهل‏:‏ انه جبل مشرف عال شاهق لا يفارق أعلاه الثلج صيفاً ولا شتاءً ولا يقدر الإنسان أن يعلو ذروته يراه الناظر من عقبة همذان والناظر من الري يظن أنه مشرف عليه وبينهما فرسخان فصعدت الجبل حتى وصلت إلى نصفه بمشقة شديدة ومخاطرة بالنفس فرأيت عيناً كبريتية وحولها كبريت مستحجر فإذا طلعت عليه الشمس الهتبت ناراً والدخان يصعد من العين الكبريتية‏.‏

وحكى أهل تلك النواحي أنهم إذا رأوا النمل يذخر الحب الكثير تكون السنة سنة جدب وإذا دامت عليهم الأمطار حتى تأذوا منها صبوا لبن الماعز على النار فانقطعت‏.‏

قال‏:‏ جربت هذا مراراً فوجدته صحيحاً‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا رأينا قلة هذا الجبل في وقت من الأوقات متحسراً عن الثلج وقعت فتنة وأريقت دماء من الجانب الذي نراه متحسراً‏.‏

وبقرب الجبل معدن الكحل الرازي والمرتك والاسرب والزاج‏.‏

هذا وحكى محمد بن إبراهيم الضراب قال‏:‏ ان أبي سمع أن بدماوند معدن الكبريت الأحمر فاتخذ مغارف حديد طول السواعد واحتال في إخراجه فذكر انه لا يقرب من ناره حديدة إلا ذابت من ساعتها‏.‏

وذكر أهل دماوند أن رجلاً من أهل خراسان اتخذ مغارف حديدية طويلة مطلية بها عالجها بها وأخرج من الكبريت لبعض الملوك‏.‏

وحكى علي بن رزين وكان حكيماً له تصانيف قال‏:‏ وجهت جماعة إلى جبل دماوند وهو جبل عظيم شاهق في الهواء يرى من مائة فرسخ وعلى رأسه أبداً مثل السحاب المتراكم لا ينحسر شتاء ولا صيفاً ويخرج من أسفله نهر ماؤه أصفر كبريتي فذكر الجماعة أنهم وصلوا إلى قلته في خمسة أيام وخمس ليال فوجدوا قلته نحواً من مائة جريب مساحة على أن الناظر إليها من أسفله يراها كالمخروط‏.‏

قالوا‏:‏ وجدنا رملاً تغيب فيه الأقدام وانهم لم يروا عليها دابة ولا أثر حيوان وان الطير لا يصل إلى أعلاها والبرد فيها شديد والريح عاصف‏.‏

وانهم عدوا سبعين كوة يخرج منها الدخان الكبريتي ورأوا حول كل ثقب من تلك الكوى كبريتاً أصفر كأنه ذهب وحملوا معهم شيئاً منه‏.‏

وذكروا أنهم رأوا على قلته الجبال الشامخة مثل التلال ورأوا بحر الخزر كالنهر الصغير وبينهما عشرون فرسخاً‏.‏

وبها جبل ساوة وهو على مرحلة منها‏.‏

رأيته جبلاً شامخاً إذا أصعدت عليه قدر غلوة سهم رأيت ايواناً كبيراً يتسع لألف نفس وفي آخرهم قد برز من سقفه أربعة أحجار شبيهة بثدي النساء يتقاطر الماء من ثلاثة والرابع يابس‏.‏

أهل ساوة يقولون‏:‏ انه مصه كافر فيبس‏!‏ وتحتها حوض يجتمع فيه الماء الذي يتقاطر منها وعلى باب الإيوان ثقبة لها بابان وفيها انخفاض وارتفاع يقول أهل ساوة‏:‏ ان ولد الرشدة يقدر أن يدخل من باب ويخرج من الآخر وولد الزنية لا يقدر‏!‏ وبها جبل كركس كوه جبل دورته فرخان في مفازة بين الري والقم وهو جبل وعر المسلك في مفازة بعيدة عن العمارات في وسطه ساحة فيها ماء والجبال محيطة بها من جميع جوانبها فمن كان فيها كأنه في مثل حظيرة‏.‏

وسمي كركس كوه لأن النسر كان يأوي إليه وكركس هو النسر فلو اتخذ معقلاً حصيناً إلا أنه في مفازة بعيدة عن البلاد قلما يجتاز بها أحد‏.‏

وبها جبل نهاوند وهو بقرب نهاوند قال ابن الفقيه‏:‏ على هذا الجبل طلسمان صورة سمك وثور قالوا‏:‏ إنهما لأجل الماء لئلا يقل ماؤه وماؤه ينقسم قسمين‏:‏ قسم يجري إلى نهاوند والآخر إلى الدينور‏.‏

وبها جبل يله بشم‏.‏

هذا الجبل بقرب قرية يقال لها يل وهي من ضياع قزوين على ثلاثة فراسخ منها‏.‏

حدثني من صعد هذا الجبل قال‏:‏ عليه صور حيوانات مسخها الله تعالى حجراً منها راع متكيء على عصاه يرعى غنمه وامرأة تحلب بقرة وغير ذلك من صور الإنسان والبهائم‏.‏

وهذا شيء يعرفه أهل قزوين‏.‏

وينسب إليها الوزير مهلب بن عبد الله‏.‏

كان وزيراً فاضلاً قعد به الزمان حتى صار في ضنك من العيش شديد فرافقه بعض أصدقائه في سفره فاشتهى لحماً ولم يقدر على ثمنه فاشترى رفيقه له بدرهم لحماً فأنشأ يقول‏:‏ الا موتٌ يباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه‏!‏ إذا أبصرت قبراً من بعيدٍ وددت لو انّني من ساكنيه‏!‏ ألا رحم الإله ذنوب عبدٍ تصدّق بالوفاة على أخيه‏!‏ ثم بعد ذلك علا أمره وارتفعت مكانته فقصده ذلك الرفيق والبواب منعه من الدخول عليه فكتب على رقعة‏:‏ ألا قل للوزير‏:‏ فدتك نفسي وأهلي ثمّ ما ملّكت فيه أتذكر إذ تقول لضنك عيشٍ‏:‏ ألا موتٌ يباع فأشتريه فأحضره وحياه وجعله من خاصته‏.‏قرية بين النعمانية وواسط وكانت في قديم الزمان مدينة يضرب بقاضيه المثل في قلة العقل‏!‏ ومن حديثه ما ذكر أن المأمون أراد المضي إلى واسط فاستكرى القاضي جمعاً ليثنوا عليه عند وصول الخليفة فاتفق أن شبارة الخليفة وصلت وما كان من الجمع المستكرين أحد حاضراً فخاف القاضي أن تفوت الفرصة فجعل يعدو على شاطيء دجلة مقابل الشبارة وينادي بأعلى صوته‏:‏ يا أمير المؤمنين نعم القاضي قاضي جبل‏!‏ فضحك يحيى بن اكثم وكان راكباً في الشبارة مع الخليفة وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا المنادي هو قاضي جبل يثني على نفسه‏!‏ فضحك المأمون وأمر له بشيء وعزله وقال‏:‏ لا يجوز أن يلي شيئاً من أمور المسلمين من هذا عقله‏.‏

 جرباذقان

بليدة من بلاد قهستان بين أصفهان وهمذان ذات سور وقهندز لها رئيس يقال له جمال باده لا يمشي إلى أحد من ملوك قهستان البتة‏.‏

وله موضع حصين وإلى داره عقود وأبواب وحراس والملوك كانوا يسامحونه بذلك ويقولون‏:‏ إن أذيته وإزعاجه غير مبارك‏!‏ وكان الأمر على ذلك إلى أن ملك الجبال خوارزمشاه محمد سلمها إلى ابنه وإلى عماد الملك فوصل عماد الملك إلى جرباذقان‏.‏

أخبر بعادة الرئيس انه لا يمشي إلى أحد فغضب من ذلك وبعث إليه يطلبه فأبى‏.‏

فبعث إليه عسكره دخلوا المدينة قهراً وتحصن الرئيس بالقلعة فحاصروها أياماً وقتل من الطرفين‏.‏

فلما اشتد الأمر عليه نزل بالليل وهرب فخرب عماد الملك القلعة وقتل أكثر أهلها لأنهم قتلوا أصحاب عماد الملك‏.‏

فعما قريب ورد عساكر التتر وهرب عماد الملك فقتلوه في الطريق وقتلوا ابن خوارزمشاه وعاد الرئيس إلى حاله كما كان‏.‏

 جرجان

مدينة عظيمة مشهورة بقرب طبرستان‏.‏

بناها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وهي أقل ندى ومطراً من طبرستان يجري بينهما نهر تجري فيه السفن بها فواكه الصرود والجروم وهي بين السهل والجبل والبر والبحر‏.‏

بها البلح والنخل والزيتون والجوز والرمان والأترج وقصب السكر وبها من الثمار والحبوب السهلية والجبلية المباحة يعيش بها الفقراء‏.‏

ويوجد في صيفها جني الصيف والشتاء من الباذنجان والفجل والجزر وفي الشتاء الجدي والحملان والألبان والرياحين‏:‏ كالخزامى والخيري والبنفسج والنرجس والأترج والنارنج‏.‏

وهي مجمع طير البر والبحر لكن هواءها رديء لأنه وحكي انه كان بنيسابور في أيام الطاهرية ستمائة رجل من بني هلال يقطعون الطريق فظفروا بهم ونقلوا ثلاثمائة إلى جرجان وثلاثمائة إلى جرجانية بخوارزم‏.‏

فلما تم عليهم الحول لم يبق ممن كان بجرجان إلا ثلاث أنفس ولم يمتممن كان بجرجانية إلا ثلاثة‏.‏

وبجرجان من العناب الجيد والخشب الخلنج الذي يتخذ منه النشاب والظروف والأطباق ويحمل إلى سائر البلاد‏.‏

وبها ثعابين تهول الناظر ولا ضرر لها‏.‏

وذكر أبو الريحان الخوارزمي انه شوهد بجرجان مدرة صار بعضها قاراً والبعض الآخر بحالها‏.‏

بها عين سياه سنك قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بجرجان موضع يسمى سياه سنك به عين ماء على تل يأخذ الناس ماءها للشرب وفي الطريق إليها دودة فمن أخذ من ذلك الماء وأصاب رجله تلك الدودة يصير الماء الذي معه مراً فيبدده ويعود إليها يأخذ مرة أخرى وهذا عندهم مشهور‏.‏

ينسب إليها كرز بن وبرة كان من الأبدال قال فضيل‏:‏ إذا خرج كرز بن وبرة يأمر بالمعروف يضربونه حتى يغشى عليه فسأل ربه أن يعرفه الاسم الأعظم بشرط أن لا يسأل به شيئاً من أمور الدنيا فأعطاه الله ذلك فسأل أن يقويه على قراءة القرآن فكان يختم كل يوم وليلة ثلاث ختمات‏.‏

حكى أبو سليمان المكتب قال‏:‏ صحبت كرز بن وبرة إلى مكة فكان إذا نزل القوم أدرج ثيابه في الرحل واشتغل بالصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل فتأخر يوماً عن الوقت فذهبت في طلبه فإذا هو في وهدة في وقت حار وإذا سحابة تظله فقال‏:‏ يا أبا سليمان أريد أن تكتم ما رأيت‏!‏ فحلفت أن لا أخبر أحداً في حياته‏.‏

وحكي انه لما توفي رأوا أهل القبور في النوم عليهم ثياب جدد فقيل لهم‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ ان أهل القبور كلهم لبسوا ثياباً جدداً لقدوم كرز بن وبرة‏!‏ وينس إليها أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجرجاني‏.‏

كان وحيد دهره في الفقه والأصول والعربية مع كثرة العبادة والمجاهدة وحسن الخلق والاهتمام بأمور الدين والنصيحة للمسلمين وهو القائل‏:‏ إني ادّخرت ليوم ورد منيّتي عند الإله من الأمور خطيرا قولي بأنّ إلهنا هو أوحدٌ ونفيت عنه شريكه ونظيرا وشهادتي أنّ النّبّي محمّداً كان الرّسول مبشّراً ونذيرا ومحبّتي آل النّبّي وصحبه كلاًّ أراه بالثّناء جديرا وتمسّكي بالشّافعّي وعلمه ذاك الّذي فتق العلوم بحورا وجميل ظنّي بالإله وإن جنت نفسي بأنواع الذّنوب كثيرا فاشهد إلهي أنّني مستغفرٌ لا أستطيع لما مننت شكورا هذا الذي أعددته لشدائدي وكفى بربّك هادياً ونصيرا‏!‏ قبض أبو سعيد في صلاة المغرب عند قوله‏:‏ وإياك نستعين وفاضت روحه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة‏.‏

وينسب إليها القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني‏.‏

كان أديباً فقيهاً شاعراً وهو القائل‏:‏ يقولون لي‏:‏ فيك انقباضٌ‏!‏ وإنّما رأوا رجلاً عن موقف الذلّ أحجما أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما وينسب إليها الإمام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني‏.‏

كان عالماً فاضلاً أديباً عارفاً بعلم البيان له كتاب في إعجاز القرآن في غاية الحسن ما سبقه أحد في ذلك الأسلوب‏.‏

من لم يطالع ذلك الكتاب لا يعرف قدره ودقة نظره ولطافة طبعه واطلاعه على معجزات القرآن‏.‏

وبها مشهد لبعض أولاد علي الرضا العجم يسمونه كور سرخ النذر له يفضي إلى قضاء الحاجة وهذا أمر مشهور في بلاد العجم يحمل إليها أموال كثيرة ويصرف إلى جمع من العلويين هناك‏.‏قرية من أعمال بغداد مشهورة‏.‏

ينسب إليها علي الجرجرائي كان من الابدال لا يدخل العمران ولا يختلط بأحد حكى بشر الحافي قال‏:‏ لقيته على عين ماء فلما أبصرني عدا قال‏:‏ بذنب مني رأيت اليوم إنسياً‏!‏ فعدوت خلفه وقلت‏:‏ أوصني‏!‏ فالتفت إلي وقال‏:‏ عانق الفقر وعاشر الصبر وخالف الشهوة واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه على هذا طاب المصير إلى الله تعالى‏!‏ الجزيرة بلاد تشتمل على ديار بكر ومضر وربيعة وإنما سميت جزيرة لأنها بين دجلة والفرات وهما يقبلان من بلاد الروم وينحطان متسامتين حتى يصبا في بحر فارس وقصبتها الموصل وحران والجزيرة بليدة فوق الموصل تدور دجلة حولها كالهلال ولا سبيل إليها من اليبس إلا واحد قالوا‏:‏ من خاصية هذه البلاد كثرة الدماميل‏.‏

قال ابن همام السلولي‏:‏ أبداً إذا يمشي يحيك كأنّما به من دماميل الجزيرة ناخس وحكي أن ضرار بن عمرو طلع به الدماميل وهو ابن تسعين سنة فتعجب الناس فقالوا‏:‏ احتملها من الجزيرة‏!‏ ينسب إليها بنو الأثير الجزريون‏.‏

كانوا ثلاثة اخوة فضلاء رأيت منهم الضياء كان شيخاً حسن الصورة فاضلاً حلو الحديث كريم الطبع له تصانيف كثيرة منها‏:‏ المثل السائر كتاب في علم البيان في غاية الحسن وكتاب في شرح الألفاظ الغريبة التي وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهما‏.‏